الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها زاد المؤمنين وسبيل الفوز في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أيها الأحبة في الله، حديثنا اليوم عن الجنة، دار النعيم الأبدي، التي أعدها الله لعباده المتقين. الجنة هي دار السعادة والخلود، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هي دار النعيم التي لا يشوبها نقص ولا كدر، وهي الجزاء الأوفى لمن آمن وعمل صالحًا.
يقول الله تعالى في وصف الجنة: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}. ويقول أيضا: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ، وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا، وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ، وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
أيها الإخوة، إن الجنة درجات، وأعلاها الفردوس الأعلى، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة". والجنة مليئة بالنعيم الذي لا يمكن وصفه، فهي دار الخلود، حيث لا موت ولا مرض، ولا حزن ولا هم.
يقول الله سبحانه وتعالى: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}. ويقول أيضا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ، كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
أيها المسلمون، لندرك أن سبل الوصول إلى الجنة متعددة، ومن أهمها:
1.الإيمان بالله والعمل الصالح: يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
2.التقوى والخشية من الله: يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.
3.الصبر على الطاعات والابتعاد عن المعاصي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات".
4.الاستقامة على دين الله: يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
5.الإخلاص في العمل: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
6.الابتعاد عن المعاصي والذنوب: يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.
أيها الأحبة، لنسعى جميعاً لبلوغ الجنة ونيل رضا الله، وذلك بأن نحرص على طاعته واجتناب معاصيه، وأن نكون من أهل التقوى والإحسان، وأن نستغفر الله ونتوب إليه في كل وقت وحين.
أسأل الله لي ولكم أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يرزقنا الفردوس الأعلى بغير حساب، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.