الحمد لله الذي أمر بلباس الحياء، ونهى عن التبرج والسفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر نساء المؤمنين بالحجاب، وجعل ذلك علامة على الطهر والعفاف، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، بيّن للناس طريق الهدى، وحذّر من سبل الغواية والردى.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، وكونوا من المتأملين في كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
أيها المسلمون، حديثنا اليوم عن تحذير نبوي عظيم، موجّه لنساء هذه الأمة، يحذرهن من صفات تؤدي إلى النار، ويأمرهن بالتوبة قبل أن يفوت الأوان. حديث يهز القلوب، وتخشع له النفوس، حديث رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"صِنفَانِ من أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ معهم سِيَاطٌ كأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بهَا النَّاسَ، ونِساءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَهَا..."
يا لها من كلمات ثقيلة، وتحذير صريح! نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول عن هؤلاء النساء: "لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"، مع أن ريح الجنة ليوجد من مسيرة كذا وكذا!
فمن هن هؤلاء النسوة؟ وما معنى أوصافهن؟ وما الذي أوصلهن إلى هذا المصير؟
أولًا: "كاسيات عاريات"
معناه: تلبس المرأة ثوبًا، لكنه لا يسترها، إما لأنه ضيق يُظهر مفاتن الجسد، أو شفاف يُظهر البشرة، أو قصير لا يغطي العورة. فهي كاسية بالاسم، لكنها في الحقيقة عارية.
ثانيًا: "مائلات مميلات"
قيل: مائلات عن طاعة الله، مميلات لغيرهن بالفتنة والفساد.
وقيل: يمشين متبخترات، يُميلن قلوب الرجال، ويُفتنّهم بزينتهن.
ثالثًا: "رؤوسهن كأسنمة البخت"
يعني: يضفن على رؤوسهن زينة أو لفائف أو رفعات تُشبه سنام الجمل، ترفع شعرها وتُبرزه في هيئة فاضحة للعيان. وهذا مما أصبحنا نراه في زماننا في بعض التسريحات والتصرفات.
أفبعد هذا الوصف الواضح نتهاون؟ أَلا نخشى من أن نكون – أو تكون نساؤنا – من هذا الصنف؟
أيها المؤمنون، ليست الخطورة في مجرد اللباس، بل في كون ذلك تعبيرًا عن ترك الحياء، واتباع الهوى، والتشبه بالكافرات أو الفاسقات.
إن المرأة المسلمة ليست رقماً في عالم الموضة، وليست سلعة تُعرض في الشوارع، بل هي جوهرة مصونة، عزيزة مكرّمة، مكانها الستر، وعنوانها الحياء.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
عباد الله، هذا الحديث العظيم ليس للتخويف فحسب، بل للتصحيح والبصيرة. إنه دعوة للرجوع إلى منهج الإسلام في الحياء والعفاف.
أيها الآباء والأزواج والإخوة:
عليكم مسؤولية عظيمة في توجيه النساء، وتعليمهن الحجاب الصحيح، والنهي عن كل مظهر من مظاهر التبرج.
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْـمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59]
فما هو الجلباب؟ هو الثوب الفضفاض الواسع الذي يغطي الجسد كله، لا يصف، ولا يشف، ولا يُلفت الأنظار.
عباد الله، المرأة إن صلحت، صلح المجتمع، وإن فسدت، تفكّكت القيم.
المرأة التقيّة هي التي تعين زوجها على الطاعة، وتربي أبناءها على الإيمان، وتخاف الله في خلواتها.
أيتها النساء المؤمنات:
احذرن من التهاون بالحجاب، ومن متابعة أهل الفنّ والتبرج في اللباس والتقليد.
كوني قدوة في بيتك، وفي مجتمعك، واذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"الحياء شعبة من الإيمان"
واذكري قول النبي أيضًا:
"الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"
رسائل ختامية في نهاية الخطبة
للنساء: الحجاب شرف لكِ، لا عبء عليكِ. فكوني من المتقين، لا من الكاسيات العاريات.
للرجال: رفقًا بنسائكم، واغرسوا فيهن الخوف من الله، والتأسي بأمهات المؤمنين.
للأمة كلها: نريد نساء كفاطمة وخديجة وعائشة، لا كفنانات الموضة وزيف الشاشات.
اللهم ارزق نساء المسلمين الستر والعفاف، والحياء والإيمان، واهد شباب المسلمين وشيبهم، ووفقنا لما تحب وترضى.
اللهم لا تجعل فينا ولا في ذرياتنا من أهل النار، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.